ضحيـة حُبه ..

في زمــن تلاشى فيه الحب والتضحية وتُرِكَ على هوامش الصفحات مجرد تواريخ وايام , عبر محطاته بخطوات عاثِره يرتمي حول قبرِها يزرع حولهُ الوِد اللذي لم يعد له مكاناً حول تُربِها ... يعبر اسوار المقابر مرافِقاً اشباح الليل في صمت في رحلة جديدة للصمود امام واقع حياته الاسود و البائِس ..
أمام لوحة دامية , يقِف كُل صباح ليستعرض آخر لحظات شخصه الراحِل , اقتمص شخصية رجل مرعب سخيف خائن وحجب وجهه تحت قِناع اسود لا تكاد ترى منه إلا عيناه الشاحبتان ..
ومن يكاد أن يصدق ان هذا الرجل الذي يخافونه الاطفال ويدعونه بـ " انجانجو " في يوم من الايام تتمزق اذرعته واقنعته وتهوي عزائِمه بمثل هذا الذل والانحطاط .
نعم إنهُ من صنع قدره واختار هذا بنفسه , مغرور واعجابه بنفسه حطما تمثاله الشاهق , لم يهتم إلا لشهواته امام عاصفة رملية زاحفه جرفته لتبتلعه في اعماق بطنها وتمضغ مافيه من لحم ثم ترميه عظما.
خيالاته وانفاسه الحارقه التي تنصبت كغيمة ممطرة حينما يقف على قبر ضحية حبه تحرك شخصها من مصرعِه ....
نعم إنها زوجته التي سكبت روحها له نهراً من العطاء , وخليلته التي لازمته لآخر لحظاتها , لكنه وضعها على الهوامش ولم يكترث بِها.
في كل يوم تتباهى له بأفكار مشعه لتثير مابينهم من علاقة زوجية , فتأخذ بالتغيير الكلي للاثاث والديكور وتضع بعض من لمساتها الساحره على الجدران والتحفيات لتضفي جو من الامان والحب , ومن ثم تعد له مائدة من الاطايب لحين عودته, وتنتظره لساعات طويله تحت ضوء الابجورة الخافتة
لم تشكو ولم تتدمر من تغيبه الدائم , وكان اهلها واقاربها يتوجهون لها بالتهم الدائمة بأنها ساذجة وغبية ففي يوم من الايام توجهت لها اختها الكبرى بكلام خانِق وعاصف عليها حين صرخت في وجهها : إلى متى هذا البرود ؟؟ لا أعلم ما الذي يُعجبكِ في الامر ...!! غِيابه الدائم ام إهانتهُ لكِ امام اهله ؟ لقد خرجتِ من منزلكِ معززه مكرمه ولم ينقصكِ شيئاً , واليوم تنساقين لمثل هذا الوغد كجارية تخدمه .. لا اعلم كيف تقبلين بهذهِ الزيجة , قوي من شخصيتكِ امامه احدقيه ولو لمره كما هو يفعل , كُنت اعلم من صغركِ بأنكِ مستبدة ومنحطه ولكن لم اعلم بأنكِ ستصبحين اكثر انحطاطاً فأنتِ بمثابة التُراب تطاكِ الاقدم لتترك اثرها عليكِ ثم تمشي تاركةً إياكِ وهذا هو الحال حين يضـ ....
قاطعتها بصوت اكثر حده : هذا لا يعنيكِ , وارجو ان لا تتدخلي لا انتي ولا غيركِ في حياتي وشؤوني الخاصة , وهذهِ حياتي وانا المتضرره فيها , ولا اعتقد من تنساق لاوامر زوجها بأنها جارية ..
هكذا كانت " آيات " تُدافع عن زوجها " نــاصر " رغم عِلمِها بخاينته لها , لكنها تفوض امرها لله فلا تجزع ولا تعجز عن محاولاتها في استمالته لها .
فهي كالدمية يحركها كيفما شاء ويُلبِسها كما اراد , لم يكُن في يوم معها بخيلاً , فهو تاجر من كبار تجار المنطقة , اسكنها في قصر وهل عليها من المجوهرات والحُلي ما يكفيها , ولكنه لم يحسسها بالاهتمام في يوم من الايام , ولم يعطها من حبه ومشاعره شيئاً فكان اعتقاده بأن المال يكفيها لتبقي سعيده مترفهه في حياتها .
استبدل المعنويات بالماديات وادار ظهره عنها تاركاً إياها كالشرنقة المنطويه في احزانها تلف نفسها بشيء من الامل الخائب , لتعود في يوم منكسره امام طموحها وخططها المستقبلية في الانجاب والعيش وسط عائلة سعيدة تغمرها الضحكات والخفر والانس .
مضى على زواجهما عامين من دون اي إيجابيات , فكلما التقياء كانا كالغرباء او كالغربان في جدالات مستعصية وامور هزليه , فقد طلب منها مؤخراً ترك وظيفتها لانه تحسسه بباتعادها عنه وعدم اكتراثِها لامره , وهي بادرت في ذلك لكونها تظن ان ذلك سيقربهما من بعض اكثر ولانها ظنت بأن سبب هذهِ المشاكل هو عملها .
وبعد اشهر من تركها لوظيفتها دخلوا في دوامات جدال عاصف حين قالت له : طلبت مني ان اترك عملي بسبب استغنائي عن معاش الحكومة ولانه قد يكون سبب لحل مشاكلنا , واليوم اراك اكثر ابتعاداً والفجوة بيننا كبرت , لا اعلم ما الذي دفعك لاتخاذ هذا القرار , فعندما كنت في وظيفتي كنت احس بمرور الوقت اسرع ولا اشعر بغيابك على الاقل يوجد ما يشغلني وينسيني همومي ..!!
وكعادته القى بالجريدة على الطاولة : ليس لدي وقت لمثل هذهِ النقاشات ارجوكِ دعيني انام ..
تركها في حيره من امرها تفكر في حالهما وإلى متى سيستمر هذا الوضع ..؟ فهو كل يوم في تغيب عن منزله وإن عاد كان في غير وعيه بسبب شربه وترفه ..
وتغرب الشمس كي تشرق غذاً ..
وفي مسية اليوم الثاني ..
كان عائِداً كعادته من البارات التي غزتها الثقافه الغربية , لا يعلم اين يسير والى اين ذاهب وكيف هو الطريق ,وامام الشارع الذي يقابل بيته كانت قادمة سيارة مسرعه في سيرها وكان يسير في الجهة التي تسير فيها السيارة وفي نفس الوقت كانت آيات قد خرجت لتشتري بعد المستلزمات البيتيه التي تحتاجها , وكانت قد شهدت الموقف وقد وقع قلبها قبل ان تقع عينها وبدون وعي اسرعت نحو زوجها لتدفعه للناحية الاخرى متباعداً عن السيارة ..
ولله الحمد نجى من موت كان احس به للحظه , ولكـــن ...
كانت مشية الله بأن ترجع امانته له فكان الموقف والمنظر ابكيا العدم دماً .. فسالت بحور من الدم في الشارع لتترك اثار جريمة حبها له , افاقته من وعيه بعد فوات الاوان .
زحف نحوها مسرعاً وكأنه طفل يبتغي حنان امه , لم يدرك الموقف الا في نهاية المطاف , اسدل دمع عينيه للعدم ليغيب في وعيه وخيالاته للافق ويستعيد ذكرياته مع النجمة التي ثقبت صدره من هول المصيبة .
وضع رأسه على جثتها الهامِده واختبئ في احضانها وبين احشائها التي استفرغها الحب والحنان من خارج جسمها ....
صرخ فزِعاً لا ارجوكِ لا تتركيني .. سأعوضكِ عن كل ما فات من عمرنا وسنقضي اجمل بقية عمرنا مع بعضنا .. لااااااااااااااا ..!
فتحت الانارة في خوف : مابِك يا عزيزي ..؟؟
بكى كالطفل الغرير واختبى في ملاذها : عديني بأن لا تتركيني مجدداً ..
آيات : اعدك بذلك هون عليك مجرد حلم